فصل: الجزء الحادي والثلاثون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء الحادي والثلاثين

عُموم

التّعريف

1 - العموم‏:‏ مصدر من عمّ يعمّ عموماً فهو عامّ، ومن معانيه في اللّغة‏:‏ الشّمول والتّناول، يقال‏:‏ عمّ المطر البلاد‏:‏ شملها، ومنه قول العرب‏:‏ عمّهم بالعطيّة أي شملهم، ويقال‏:‏ خصب عام إذا شمل البلدان والأعيان‏.‏

وفي الاصطلاح عرّفه بعض الأصوليّين بأنّه‏:‏ إحاطة الأفراد دفعةً‏.‏

وقال المازريّ‏:‏ العموم عند أئمّة الأصول هو القول المشتمل على شيئين فصاعداً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العامّ‏:‏

2 - العامّ‏:‏ هو اللّفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بوضع واحد من غير حصر‏.‏

وعرّف بعض الأصوليّين العامّ بأنّه‏:‏ لفظ يتناول أفراداً متّفقة الحدود على سبيل الشّمول‏.‏

والفرق بين العموم والعامّ‏:‏ أنّ العامّ هو اللّفظ المتناول، والعموم تناول اللّفظ لما صلح له‏.‏

فالعموم مصدر، والعامّ اسم فاعل مشتقّ من هذا المصدر، وهما متغايران ‏"‏ لأنّ المصدر الفعل، والفعل غير الفاعل‏.‏

ب - الخصوص‏:‏

3 - الخصوص‏:‏ كون اللّفظ متناولاً لبعض ما يصلح له لا لجميعه‏.‏

وعلى ذلك فالخصوص ضدّ العموم‏.‏

ج - المشترك‏:‏

4 - المشترك‏:‏ مأخوذ من الاشتراك‏.‏

وعرّفه الأصوليّون بأنّه‏:‏ كلّ لفظ يتناول أفراداً مختلفة الحدود على سبيل البدل، مثل كلمة قرء فإنّه مشترك يصدق على الحيض والطّهر على سبيل البدل، وكذلك كلمة العين فإنّها اسم للنّاظر وعين الشّمس وعين الرّكبة وعين الماء، وللنّقد من المال، تطلق على كلّ واحد منها على سبيل البدل‏.‏

الحكم الإجماليّ

5 - ذهب جمهور الأصوليّين إلى أنّ العامّ يوجب الحكم فيما يتناوله، فإذا ورد في النّصّ لفظ عامّ ثبت الحكم لما يتناوله، ما لم يقم دليل على خلافه‏.‏

واختلف الأصوليّون فيما وراء ذلك من أحكام العموم، والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏.‏

عُموم البَلْوى

التّعريف

1 - من معاني العموم في اللّغة‏:‏ الشّمول والتّناول، يقال‏:‏ عمّ المطر البلاد، شملها، فهو عامّ‏.‏

والبلوى في اللّغة‏:‏ اسم بمعنى الاختبار والامتحان، يقال‏:‏ بلوت الرّجل بلواً وبلاءً وابتليته‏:‏ اختبرته، ويقال‏:‏ بلى فلان وابتلى إذا امتحن‏.‏

أمّا في الاصطلاح فيفهم من عبارات الفقهاء أنّ المراد بعموم البلوى‏:‏ الحالة أو الحادثة الّتي تشمل كثيراً من النّاس ويتعذّر الاحتراز عنها، وعبّر عنه بعض الفقهاء بالضّرورة العامّة وبعضهم بالضّرورة الماسّة، أو حاجة النّاس‏.‏

وفسّره الأصوليّون بما تمسّ الحاجة إليه في عموم الأحوال‏.‏

الأحكام المتعلّقة بعموم البلوى

بنى الفقهاء والأصوليّون على عموم البلوى أحكاماً فقهيّةً وأصوليّةً في مختلف الأبواب والمسائل منها ما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ الأحكام الفقهيّة

2 - من القواعد العامّة في الفقه الإسلاميّ أنّ المشقّة تجلب التّيسير، وإذا ضاق الأمر اتّسع‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏ وقال صلى الله عليه وسلم «بعثت بالحنيفيّة السّمحة»‏.‏

ويتخرّج على هذه القاعدة جميع رخص الشّرع وتخفيفاته‏.‏

وقد ذكر الفقهاء أسباب التّخفيف من المرض والسّفر والإكراه والنّسيان والجهل والعسر وعموم البلوى ونحوها، وبيّنوا أثرها في مختلف الأحكام والمسائل الفقهيّة‏.‏

ومن الرّخص الّتي شرعت بسبب العسر وعموم البلوى ما ذكره السّيوطيّ وابن نجيم من جواز الصّلاة مع النّجاسة المعفوّ عنها، كدم القروح والدّمامل والبراغيث، وطين الشّارع وذرق الطّيور إذا عمّ في المساجد والمطاف، وما لا نفس له سائلة، وأثر نجاسة عسر زواله، والعفو عن غبار السّرقين وقليل الدّخان النّجس وأمثالها، وهي كثيرة مفصّلة في كتب الفقه‏.‏

ومن هذا القبيل ما ذكره الحنفيّة من العفو عن بول الشّخص أو بول غيره الّذي انتضح على ثيابه كرءوس إبر، قال ابن عابدين‏:‏ والعلّة الضّرورة قياساً على ما عمّت به البلوى ممّا على أرجل الذّباب، فإنّه يقع على النّجاسة ثمّ يقع على الثّياب، ومثله الدّم على ثياب القصّاب، فإنّ في التّحرّز عنه حرجاً ظاهراً‏.‏

3 - ومن الأحكام المبنيّة على عموم البلوى طهارة الخفّ والنّعل بالدّلك على الأرض ونحوها من الأشياء الطّاهرة، كما ذكره بعض الفقهاء، قال التّمرتاشيّ‏:‏ ويطهر خفّ ونحوه، كنعل تنجّس بذي جرم بدلك، قال ابن عابدين‏:‏ وإن كان رطباً على قول أبي يوسف‏.‏ وهو الأصحّ المختار، وعليه الفتوى لعموم البلوى‏.‏ ولعموم حديث أبي داود‏:‏ «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذىً فليمسحه، وليصلّ فيهما»‏.‏

4 - وذكر السّيوطيّ من الأحكام المبنيّة على عموم البلوى في غير العبادات‏:‏ جواز أكل الميتة ومال الغير مع ضمان الضّرر إذا اضطرّ، وأكل الوليّ من مال اليتيم بقدر أجرة عمله إذا احتاج، ومشروعيّة الرّدّ بالخيارات في البيع‏.‏

وكذلك مشروعيّة العقود الجائزة ‏(‏غير اللّازمة‏)‏ لأنّ لزومها يشقّ، كما ذكر منها إباحة النّظر للخطبة والتّعليم والإشهاد والمعاملة والمعالجة ونحوها‏.‏

ولتفصيل هذه الأحكام وأمثالها ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تيسير ف /48 وما بعدها، وحاجة ف /24 وما بعدها‏)‏‏.‏

5- ومن هذا القبيل ما ذكره الفقهاء من جواز عقد الاستصناع - وهو عقد مقاولة مع أهل الصّنعة على أن يعمل شيئاً - مع أنّه يخالف القواعد لأنّه عقد على المعدوم، إلاّ أنّه أجيز للحاجة الماسّة إليه وفي منعه مشقّة وإحراج‏.‏

ومن المسائل الّتي بناها الحنفيّة على عموم البلوى جواز إجارة القناة والنّهر مع الماء، قال الحنفيّة‏:‏ جاز إجارة القناة والنّهر أي مجرى الماء مع الماء تبعاً، به يفتى لعموم البلوى‏.‏ لكنّ المشقّة والحرج إنّما يعتبران في موضع لا نصّ فيه، وكذلك البلوى كما صرّح به الحنفيّة، قال ابن نجيم‏:‏ لا اعتبار عند أبي حنيفة بالبلوى في موضع النّصّ، كما في بول الآدميّ، فإنّ البلوى فيه أعمّ‏.‏

ثانياً‏:‏ المسائل الأصوليّة

ذكر الأصوليّون أثر عموم البلوى في مسائل منها‏:‏

أ - خبر الواحد فيما تعمّ فيه البلوى‏:‏

6 - اختلف الأصوليّون في خبر الواحد فيما تعمّ فيه البلوى، هل يوجب العمل أم لا ‏؟‏

فذهب عامّة الأصوليّين إلى أنّه يقبل خبر الواحد إذا صحّ سنده، ولو كان مخالفاً لما تعمّ به البلوى، وهذا ما ذهب إليه الأكثر من الشّافعيّة والمالكيّة، واستدلّوا بعمل الصّحابة رضي الله عنهم، فإنّهم عملوا به فيما تعمّ به البلوى، مثل رجوعهم إلى خبر عائشة رضي الله عنها في وجوب الغسل بالتقاء الختانين وبأنّ خبر الواحد العدل في هذا الباب ظنّيّ الصّدق، فيجب قبوله، كما إذا لم تعمّ به البلوى، ألا ترى أنّ القياس يقبل فيه مع أنّه أضعف من الخبر‏.‏ فإذا قبل فيما تعمّ به البلوى، ما هو دون الخبر - أي القياس - فلأن يقبل فيه الخبر أولى‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ خبر الواحد فيما يتكرّر وقوعه وتعمّ به البلوى، كخبر ابن مسعود رضي الله عنه في مسّ الذّكر أنّه ينقض الوضوء، لا يثبت الوجوب دون اشتهار أو تلقّي الأمّة بالقبول‏.‏ لأنّ ما تعمّ به البلوى يكثر السّؤال عنه من حيث احتياج النّاس إليه، فتقضي العادة بنقله متواتراً، لتوفّر الدّواعي على نقله، فلا يعمل بالآحاد فيه، قال في كشف الأسرار‏:‏ إنّ العادة تقتضي استفاضة نقل ما تعمّ به البلوى، وذلك لأنّ ما تعمّ به البلوى، كمسّ الذّكر لو كان ممّا تنتقض به الطّهارة لأشاعه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يقتصر على مخاطبة الآحاد، بل يلقيه إلى عدد يحصل به التّواتر أو الشّهرة مبالغةً في إشاعته ؛ لئلاّ يفضي إلى بطلان صلاة كثير من الأمّة من غير شعور به، ولهذا تواتر نقل القرآن واشتهرت أخبار البيع والنّكاح والطّلاق وغيرها، ولمّا لم يشتهر علمنا أنّه سهو أو منسوخ، ومن أحاديث الآحاد الّتي لم يأخذ بها الحنفيّة لمخالفة عموم البلوى حديث الجهر بالتّسمية في الصّلاة الجهريّة فإنّه قد ثبت عمل الخلفاء الرّاشدين خلاف ذلك مدّة عمرهم، والصّحابة كلّهم كانوا يصلّون خلفهم، ومن البيّن أنّ شأنهم أجلّ من أن يتركوا السّنّة مدّة عمرهم‏.‏

ب - قول الصّحابة فيما تعمّ به البلوى‏:‏

7 - ذهب جمهور الأصوليّين من الحنفيّة، وهو قول مالك والشّافعيّ في القديم ورواية عن أحمد إلى أنّ قول الصّحابيّ فيما يمكن فيه الرّأي ملحق بالسّنّة لغير الصّحابيّ، فيجب عليه تقليده وترك رأيه، لا في حقّ صحابيّ آخر‏.‏

وقال الشّافعيّ في الجديد وأبو الحسن الكرخيّ وجماعة‏:‏ إنّ قول الصّحابيّ وقول مجتهد آخر سواء فلا يلحق بالسّنّة‏.‏

وهذا الخلاف فيما لم تعمّ بلواه، وأمّا فيما عمّت البلوى به وورد قول الصّحابيّ مخالفاً لعمل المبتلين فلا يجب الأخذ به بالاتّفاق‏.‏

وتفصيل الموضوع في الملحق الأصوليّ‏.‏

عُموم المُقتضى

التّعريف

1 - من معاني العموم‏:‏ الشّمول والتّناول، يقال‏:‏ عمّ المطر البلاد إذا شملها فهو عامّ‏.‏

والمقتضى‏:‏ ما استدعاه صدق الكلام أو صحّته، من غير أن يكون مذكوراً في اللّفظ، أي‏:‏ الأمر غير المذكور، اعتبر لأجل صدق الكلام أو صحّته‏.‏ ولولاه لاختلّ أحدهما‏.‏

أو هو‏:‏ أمر اقتضاه النّصّ لصحّة ما تناوله، ويقال‏:‏ المقتضى جعل غير المذكور مذكوراً تصحيحاً للمذكور، فلا يعمل النّصّ إلاّ بشرط تقدّمه على النّصّ‏.‏

2 - والمراد بعموم المقتضى عند الأصوليّين هو‏:‏ أنّه إن كان ثمّ تقديرات لتصحيح الكلام وصدقه، فإنّه يضمر الكلّ، فيكون متناولاً لجميع ما يصحّ تقديره‏.‏

قال البنانيّ‏:‏ لا عموم للمقتضى على اسم المفعول، أي اللّازم الّذي اقتضاه الكلام تصحيحاً له إذا كان تحته أفراد لا يجب إثبات جميعها‏.‏ لأنّ الضّرورة ترفع بإثبات فرد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

عموم المجاز‏:‏

3 - المقصود بعموم المجاز عند الأصوليّين هو‏:‏ إرادة معنىً مجازيّ شامل للحقيقيّ وغيره ومتناول له بما أنّه فرد منه‏.‏

وعموم المجاز متعلّق بشمول اللّفظ، أمّا عموم المقتضى فمتعلّق بالمعنى والحكم‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - اختلف الأصوليّون في كون المقتضى له عموم أو لا‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ المقتضى لا عموم له ؛ لأنّ العموم والخصوص من عوارض الألفاظ، والمقتضى معنىً وليس لفظاً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المقتضى يجري فيه العموم والخصوص ؛ لأنّ المقتضى عندهم كالمحذوف الّذي يقدّر‏.‏

5- وقد بنى الأصوليّون على هذا الخلاف أحكاماً وفروعاً، منها قوله صلى الله عليه وسلم «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه» لم يرد به عين الخطأ والنّسيان ؛ لأنّ عينهما غير مرفوع حقيقةً، فلو أريد عينهما لصار كذباً، وهو عليه الصلاة والسلام معصوم عنه فاقتضى ضرورة زيادة تقدير ‏"‏ حكم ‏"‏ ليصير مفيداً، وصار المرفوع حكمهما، فقال الشّافعيّة‏:‏ يثبت رفع الحكم عامّاً في الآخرة، وهو المؤاخذة بالعقاب، وفي الدّنيا من حيث الصّحّة شرعاً، عملاً بعموم المقتضى كما لو نصّ عليه، ولهذا الأصل قالوا‏:‏ لا يقع طلاق المكره والمخطئ، ولا يفسد الصّوم بالأكل مكرهاً أو مخطئاً أو ناسياً‏.‏

وقال بعض الحنفيّة‏:‏ إنّما يرتفع به حكم الآخرة لا غير ؛ لأنّ المقتضى لا عموم له، وحكم الآخرة وهو الإثم مراد بالإجماع، وبهذا القدر يصير مفيداً، فتزول الضّرورة، فلا يتعدّى إلى حكم آخر‏.‏

وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

عَمْياء

انظر‏:‏ عمى‏.‏

عَنَان

انظر‏:‏ شركة‏.‏

عِنَب

انظر‏:‏ أشربة، زكاة‏.‏

عَنَت

التّعريف

1 - من معاني العنت في اللّغة‏:‏ الخطأ والمشقّة والهلاك، والإثم والزّنا، يقال‏:‏ أعنته إذا أوقعه في العنت أي المشقّة، ويقال‏:‏ فلان يتعنّت فلاناً ويعنّته أي يشدّد عليه ويلزمه ما يصعب عليه أداؤه يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ‏}‏ أي لو شاء لشدّد عليكم وتعبّدكم بما يصعب عليكم أداؤه، ومنه قوله تعالى في أوصاف النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏ أي شديد عليه ما يشقّ عليكم، ويعزّ عليه مشقّتكم، فأصل العنت‏:‏ الشّدّة والمشقّة، ثمّ استعمل في الهلاك والفساد والزّنا‏.‏

ومن معانيه في الاصطلاح‏:‏ الزّنا والفجور، وبهذا فسّروا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ‏}‏، أي نكاح الأمة لمن خشي العنت ‏(‏الزّنا‏)‏ ولم يجد طولاً لنكاح الحرّة‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - اتّفق الفقهاء على جواز نكاح الأمة المسلمة لمن لم يجد طولاً، أي قدرةً على أن ينكح حرّةً، وخاف العنت، قال ابن قدامة‏:‏ وهذا قول عامّة العلماء، لا نعلم بينهم اختلافاً فيه‏.‏ والأصل فيه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ إلى قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏

ومع ذلك فالصّبر عن نكاح الأمة خير وأفضل، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏.‏

وقال جمهور الفقهاء ‏"‏ الشّافعيّة والحنابلة وهو المشهور عند المالكيّة ‏"‏‏:‏ إنّ الأصل تحريم هذا النّوع من النّكاح ما لم يجتمع فيه شروط‏.‏ وإنّ الجواز إذا اجتمعت الشّروط من باب الرّخصة‏.‏

والحكمة في التّحريم‏:‏ أنّ هذا النّوع من الزّواج يؤدّي إلى رقّ الولد ؛ لأنّ الولد تبع لأمّه في الحرّيّة والرّقّ‏.‏

ويشترط لجواز نكاح الحرّ للأمة ما ورد في الآية الكريمة من عدم القدرة على نكاح حرّة ؛ لعدم وجود حرّة، أو لعدم وجود ما يتزوّج به حرّةً من الصّداق - وقيل‏:‏ الصّداق والنّفقة معاً - وخوف العنت، أي‏:‏ الوقوع في الزّنا إن لم يتزوّج‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يجوز نكاح الأمة مطلقاً، سواء أكانت مسلمةً أم كتابيّةً، ولا يشترط في ذلك عدم القدرة على نكاح الحرّة ولا خوف العنت، وذلك لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء‏}‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ‏}‏ فلا يخرج منه شيء إلاّ بما يوجب التّخصيص، وقالوا‏:‏ إنّ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً‏}‏ إلى قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ‏}‏ لا يدلّ على المنع إلاّ بمفهوم الشّرط والصّفة، وهما ليسا بحجّة، وعلى تقدير الحجّيّة فإنّه يمكن حمله على الكراهة، لا على التّحريم‏.‏

ونقل ابن رشد في المقدّمات عن مالك جواز نكاح الأمة، وإن كان لا يخاف عنتاً وهو واجد للطّول، قال‏:‏ وهو المشهور عن ابن القاسم‏.‏

وهذا كلّه فيما إذا لم تكن الأمة مملوكةً له أو لولده، أمّا إذا كانت الأمة مملوكةً له فلا يجوز له نكاحها ؛ لأنّ النّكاح ما شرع إلاّ مثمراً ثمرات مشتركةً بين المتناكحين، والمملوكيّة تنافي المالكيّة، كما قال المرغينانيّ، ولأنّ ملك الرّقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع، كما قال ابن قدامة‏.‏

عَنْفَقة

انظر‏:‏ لحية‏.‏

عُنّة

التّعريف

1 - العنّة في اللّغة‏:‏ عجز يصيب الرّجل فلا يقدر على الجماع، يقال‏:‏ عنّ عن امرأته‏:‏ إذا حكم القاضي عليه بذلك، أو منع عنها بالسّحر‏.‏

والعنّة مأخوذة من معنى الاعتراض، كأنّ العنّين اعترضه ما يحبسه عن النّساء، وسمّي عنّيناً لأنّه يعنّ ذكره لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ العنّة هي العجز عن الوطء في القبل لعدم انتشار الآلة، وسمّي العنّين بذلك للين ذكره وانعطافه، مأخوذ من عنان الدّابّة‏.‏

ويشمل العنّين من كان له امرأتان فعنّ عن إحداهما دون الأخرى، بل لو كان له أربع نسوة فوطئ ثلاثاً منهنّ ثمّ عنّ عن الرّابعة كان عنّيناً بالنّسبة لها، وقد توجد هذه الحالة لانحباس الشّهوة عن امرأة معيّنة بسبب نفرة أو حياء، ويقدر على غيرها لميل أو أنس، أمّا العجز خلقةً وجبلّةً فلا يختلف باختلاف النّسوة، ويشمل من عجز عن البكر وقدر على الثّيّب، ويشمل من عجز عن القبل وقدر على الدّبر، ويشمل الخصيّ مقطوع الأنثيين إذا وجدت العنّة عنده‏.‏ وهذا بناءً على أنّه لا خيار بالخصاء، أو أنّها رضيت به ووجدته مع الخصاء عنّيناً، ويشمل مقطوع الذّكر إذا بقي قدر رأس الذّكر فأكثر وعجز عن الجماع به‏.‏

والعنّين بهذا المعنى يسمّى عند المالكيّة‏:‏ المعترض، والمعترض معنىً من معاني العنّين كما سبق، أمّا لفظ العنّين فيطلق عندهم على من كان ذكره صغيراً جدّاً كالزّرّ لا يمكن الجماع به، ويختلف حكمه عن المعترض‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجَبّ‏:‏

2 - الجبّ في اللّغة‏:‏ القطع، ومنه المجبوب، وهو الّذي استؤصل ذكره‏.‏

وفي الاصطلاح عند جمهور الفقهاء هو‏:‏ قطع الذّكر كلّه أو بعضه بحيث لم يبق منه ما يتأتّى به الوطء‏.‏

والفرق بين الجبّ والعنّة‏:‏ أنّ عدم إتيان النّساء في الجبّ يكون لقطع الذّكر، والعجز عن إتيان الزّوجة في العنّة لعدم الانتشار‏.‏

ب - الخِصاء‏:‏

3 - الخصاء‏:‏ فقد الخصيتين خلقةً أو بقطع‏.‏

والفرق بين العنّة والخصاء‏:‏ أنّ العنّة تكون بعدم انتشار الآلة، أمّا الخصاء فلا يمنع من انتشار الآلة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعنّة

تتعلّق بالعنّة أحكام منها‏:‏

ثبوت الخيار بالعنّة

4 - العنّة عيب يجعل للزّوجة الخيار في طلب الفرقة عن زوجها بعد إمهال الزّوج سنةً عند جمهور الفقهاء‏.‏

واختار جماعة من الحنابلة منهم أبو بكر والمجد أنّ لها الفسخ في الحال‏.‏

واستدلّ الجمهور بما روي أنّ عمر رضي الله عنه أجّل العنّين سنةً ولأنّ مقصود الزّوجة أن تستعفّ بالزّواج وتحصل به صفة الإحصان لنفسها، وفوات المقصود بالعقد أصلاً يثبت للعاقد حقّ رفع العقد، وقد أجمعوا على ثبوت الخيار في البيع بالعيوب لفوات ماليّة يسيرة، ففوات مقصود النّكاح أولى، ولأنّ العنّة كقطع الذّكر في الرّجل، وانسداد الفرج في المرأة‏.‏

ثبوت العنّة

5 - اختلف الفقهاء فيما تثبت به العنّة‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ العنّة تثبت بإقرار الزّوج بعدم الوصول إليها، ولو اختلف الزّوج والمرأة في الوصول إليها فإن كانت ثيّباً فالقول قوله مع يمينه ؛ لأنّه ينكر استحقاق حقّ الفرقة، والأصل السّلامة في الجبلّة، فإن حلف بطل حقّها وإن نكل يؤجّل سنةً، وإن كانت بكراً نظر إليها النّساء، فإن قلن‏:‏ هي بكر أجّل سنةً لظهور كذبه، وإن قلن‏:‏ هي ثيّب يحلف الزّوج، فإن حلف لا حقّ لها، وإن نكل يؤجّل سنةً‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الزّوجة إذا ادّعت على زوجها عنّةً فإن أقرّ بها يؤجّل سنةً وإن أنكرها فالقول قوله بيمينه‏.‏ وصدّق في نفيها سواء كانت الزّوجة بكراً أو ثيّباً على المشهور، وروي عن مالك أنّ النّساء ينظرن إلى البكر، ويديّن في الثّيّب، وقيل‏:‏ لا يديّن فيها‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ تثبت العنّة بإقرار الزّوج بها عند الحاكم كغيرها من الحقوق، أو ببيّنة تقام عند الحاكم على إقراره، وكذا تثبت العنّة بيمينها المردودة بعد إنكاره العنّة ونكوله عن اليمين في الأصحّ، وإنّما جاز لها الحلف لأنّها تعرف ذلك بالقرائن والممارسة، ومقابل الأصحّ أنّه لا يردّ اليمين عليها ويقضي بنكوله‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تثبت العنّة بالإقرار بها أو بالبيّنة على إقراره، فإن لم يوجد إقرار ولا بيّنة عليه وادّعت الزّوجة عجز زوجها لعنّة فأنكر، والمرأة عذار فالقول قولها، وإن كانت ثيّباً فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب، لأنّ هذا أمر لا يعلم إلاّ من جهته، والأصل السّلامة‏.‏

وقال القاضي‏:‏ هل يستحلف أو لا ‏؟‏ على وجهين‏.‏ وإن أقرّ بالعجز أو ثبت ببيّنة على إقراره أو أنكر وطلبت يمينه فنكل ثبت عجزه‏.‏

ما يترتّب على ثبوت العنّة

6 - يرى جمهور الفقهاء أنّ المرأة إذا ادّعت أنّ زوجها عنّين لا يصل إليها وثبتت عنّته أجّل سنةً، وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يؤجّل سنةً إلاّ إذا طلبت الزّوجة، فإن سكتت لم تضرب المدّة، فإن كان سكوتها لدهشة أو غفلة أو جهل، فلا بأس بتنبيهها‏.‏

واستدلّ الجمهور بقضاء عمر رضي الله عنه، قال في النّهاية‏:‏ أجمع المسلمون على اتّباع عمر رضي الله عنه في قاعدة الباب، وبأنّ التّأجيل لإبلاء العذر، وتأجيل السّنة عذر كاف، وبأنّ العجز قد يكون لعنّة وقد يكون لمرض، فضربت السّنة ليتبيّن أنّه عنّة لا مرض، فإذا مضت السّنة ولم يصل إليها علم أنّه لآفة أصليّة، فقد تكون علّة العجز هي الرّطوبة فيستطيع في فصل الحرّ، والعكس، أي إن كان المرض من برودة أزاله حرّ الصّيف، أو من رطوبة أزاله يبس الخريف، أو من حرارة أزاله برد الشّتاء، أو من يبس أزالته رطوبة الرّبيع، على ما علم عادةً، أو ربّما أثّر الدّواء في فصل دون فصل، ويعالج نفسه في هذه السّنة‏.‏

وعلّة تبيّن العجز الخلقيّ أو استمرار العجز هي علّة ظنّيّة، فيعمل بها حتّى في حالة التّخلّف أحياناً، كحالة من أتى زوجةً دون أخرى‏.‏

الّذي يحكم بالتّأجيل

7 - يشترط الشّافعيّة والحنابلة حكم الحاكم بالتّأجيل‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يحكم بالتّأجيل قاضي مصر أو مدينة يجوز قضاؤه، فإن أجّلته المرأة، أو أجّله غير القاضي لا يعتبر ذلك التّأجيل‏.‏

وعند المالكيّة يجوز التّأجيل من الأمير الّذي يولّي القاضي ومن صاحب الشّرطة إذا لم يوجد قاض‏.‏

حكم التّأجيل لمن به عجز خلقيّ

8 - ذهب الحنابلة إلى أنّ من علم أنّ عجزه عن الوطء لعارض من صغر أو مرض يرجو زواله لم تضرب له المدّة ؛ لأنّ ذلك عارض يزول، والعنّة خلقة وجبلّة لا تزول، وإن كان لكبر أو مرض لا يرجى زواله ضربت له المدّة ؛ لأنّه في معنى من خلق كذلك، وإن كان لجبّ أو شلل ثبت الخيار في الحال ؛ لأنّ الوطء ميئوس منه ولا معنى لانتظاره، وإن كان قد بقي من الذّكر ما يمكن الوطء به فالأولى ضرب المدّة له، لأنّه في معنى العنّين خلقةً‏.‏

وقال ابن الهمام‏:‏ لو اعتبر علم فلا يؤجّل سنةً ؛ لأنّ التّأجيل ليس إلاّ ليعرف أنّه عنّين على ما قالوا‏.‏ وإلاّ فلا فائدة فيه إن أجّل مع ذلك، لكنّ التّأجيل لا بدّ منه لأنّه حكمه، إذ التّفريق سبب إبلاء العذر وهو لا يكون إلاّ بالسّنة‏.‏

وقال الشبراملسي‏:‏ إنّه يؤخذ من كلام بعض العلماء أنّه لا بدّ من ضرب السّنة ؛ لأنّ الشّرع ناط الحكم بها‏.‏

المراد بالسّنة

9 - تعارف الفقهاء على أنّه إذا أطلقت الأشهر فإنّما يقصد بها الهلاليّة، قال ابن الهمام‏:‏ الصّحيح أنّ المراد بالسّنة السّنة القمريّة وإذا أطلق لفظ السّنة انصرف إلى ذلك ما لم يصرّحوا بخلافه، وقال صاحب الإنصاف‏:‏ المراد اثنا عشر شهراً هلاليّةً، قال الشّيخ تقيّ الدّين‏:‏ هو هذا، ولكن تعليلهم بالفصول يوهم خلاف ذلك‏.‏

وقال السّرخسيّ‏:‏ السّنة قد فسّرت بالشّمسيّة أخذاً بالاحتياط، فربّما تزول العلّة في الأيّام الّتي يقع فيها التّفاوت بين القمريّة والشّمسيّة، وقد روى هذا التّفسير ابن سماعة عن محمّد في النّوادر وتعتبر بالأيّام، وتزيد على القمريّة أحد عشر يوماً‏.‏

ونقل ابن رجب‏:‏ أنّ المراد بالسّنة هنا هي الشّمسيّة الرّوميّة، وأنّها هي الجامعة للفصول الأربعة الّتي تختلف الطّباع باختلافها، بخلاف الهلاليّة، قال صاحب الإنصاف‏:‏ الخطب في ذلك يسير والمدّة متقاربة، فإنّ زيادة السّنة الشّمسيّة على السّنة الهلاليّة أحد عشر يوماً وربع يوم أو خمس يوم‏.‏

بدء أجل العنّين

10 - يعتبر بدء السّنة من وقت ضرب القاضي الأجل عند جمهور الفقهاء، وضرب السّنة ثبت باجتهاد عمر رضي الله عنه، وقد ابتدأها هو من وقت ضربها، وأجمعوا على ما فعله، وعند المالكيّة إذا لم يترافعا وتراضيا على ذلك فمن يوم التّراضي بها، فإن كان بدء السّنة بدء شهر احتسبت السّنة بالأشهر، وإن لم يكن بدء شهر احتسب ما بعده بالأشهر، وأكمل هو بعد ذلك إلى ثلاثين يوماً‏.‏

نقص السّنة

11 - قد توجد موانع من الجماع في السّنة غير مانع العنّة، وتستغرق هذه الموانع أوقاتاً في السّنة، فهل يضاف إلى السّنة أوقات تقابلها أم لا ‏؟‏

فمن هذه الموانع الحيض والصّوم في رمضان‏.‏

فعند الحنفيّة لا يعطى الزّوج بدلاً عن أيّام الحيض والصّوم، لأنّ الصّحابة رضي الله عنهم قدّروا الأجل بسنة، مع علمهم أنّ السّنة لا تخلو من هذه عادةً‏.‏

أمّا المرض الّذي يمنع الجماع عنده أو عندها فلا يحتسب ؛ لأنّ السّنة قد تخلو عنه، هذا هو المذهب عند الحنفيّة، قال البابرتيّ‏:‏ وعليه فتوى المشايخ، وعن أبي يوسف قال‏:‏ إذا كان المرض أكثر من نصف الشّهر لا تحسب مدّة المرض على الزّوج، سواء كان المرض عنده أو عندها، ويعطى بدلاً منها من العام الثّاني، وإن كان المرض أقلّ من نصف الشّهر يحسب على الزّوج قياساً على أيّام شهر رمضان، فإنّه في النّهار يمتنع عليه غشيانها، ومع ذلك محسوب عليه رمضان، فعرفنا أنّ نصف الشّهر وما دونه عفو لا يعطى بدلاً منه‏.‏

وفي رواية عن أبي يوسف يحتسب عليه المرض الأقلّ من السّنة وإن كان يوماً‏.‏

وقال محمّد‏:‏ أقلّ من شهر لا يعطى بدله، أمّا الشّهر فيعطى بدله‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا أحرمت الزّوجة بحجّة الإسلام، يعطي الزّوج مدّةً بدلاً من مدّة حجّها ؛ لأنّه لا يستطيع أن يمنعها من تمام حجّها‏.‏ ولذلك فإنّها إذا كانت محرمةً عند رفع أمرها للحاكم، فإنّه لا يضرب للزّوج أجلاً حتّى تفرغ زوجته من الحجّ ولا يكون هناك مانع من جماعه لها، وإن حجّ الزّوج احتسبت عليه مدّة حجّه لأنّ هذا من فعله، ويمكنه أن يخرجها معه أو يؤخّر الحجّ‏.‏

وإذا رفعت الزّوجة خصومتها والزّوج مظاهر منها، فإن كان الزّوج يقدر على العتق ضرب له الأجل ليبدأ في الحال، وإن كان لا يقدر على العتق أمهل له بدء الأجل شهرين، لأنّ الزّوج ممنوع من جماع زوجته الّتي ظاهر منها حتّى يكفّر، والعاجز عن العتق كفّارته صوم شهرين، أمّا إذا ظاهر الزّوج من زوجته أثناء الأجل، وكفّر بصوم شهرين لا يجامع فيهما بمنع الشّرع، فإنّه لا يعطى بدلاً منهما، لأنّه كان يستطيع ألاّ يظاهر منها‏.‏

ومثل الحجّ لكلّ منهما الغياب والهروب‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا مرض المعترض بعد الحكم بالأجل جميع السّنة أو بعضها، وسواء كان يقدر في مرضه هذا على علاج أو لا، فلا يزاد على السّنة، بل يطلّق عليه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو اعتزلت زوجة العنّين زوجها أو مرضت أو حبست في المدّة جميعها لم تحسب المدّة وتستأنف سنةً أخرى، ولو سافرت حسبت على الأصحّ، بخلاف ما لو وقع له ذلك فإنّ المدّة تحسب عليه، واعتمد الأذرعيّ في حبسه ومرضه وسفره كرهاً عدم حسبانه لعدم تقصيره، وإذا عرض ما يمنع الاحتساب في أثناء السّنة وزال فالقياس أن يستأنف السّنة أو ينتظر مثل ذلك الفصل في السّنة الأخرى‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من أجّل سنةً لعنّته فلا يحتسب عليه منها ما اعتزلته المرأة له بالنّشوز أو غيره لأنّ المانع منها، ولو عزل الزّوج نفسه عنها أو سافر لحاجة أو غيرها حسب عليه ذلك من المدّة‏.‏

الاختلاف في الوطء أثناء السّنة أو بعدها

12 - إذا أجّل الزّوج الّذي ثبتت عنّته ثمّ اختلف الزّوجان في الوطء‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ إذا أجّل ومضت السّنة فاختلفا إن كانت بكراً نظر النّساء إليها فإن قلن‏:‏ بكر خيّرت للحال بين الإقامة والفرقة، وإن قلن‏:‏ ثيّب حلف، فإن نكل خيّرت وإن حلف استقرّ النّكاح، وإن كانت ثيّباً في الأصل فاختلف قبل التّأجيل أو بعده فالقول له، فإن حلف استقرّ النّكاح ولو نكل أجّل وخيّرت بعده‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو أجّل المعترض وادّعى الوطء وأنكرته الزّوجة، فإن كانت الدّعوى في الأجل، أو بعد الأجل‏:‏ أنّه وطئ في الأجل، فالقول قوله بيمينه، فإن نكل حلفت وكان القول قولها، فإن لم تحلف بقيت زوجةً‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا تمّت السّنة المضروبة للزّوج فإن قال‏:‏ وطئت حلف بعد طلبها أنّه وطئ كما ذكر، وإنّما صدّق بيمينه في ذلك مع أنّ الأصل عدم الوطء لعسر بيّنته على الجماع، والأصل السّلامة ودوام النّكاح، هذا في الثّيّب أمّا البكر إذا شهد أربع نسوة ببكارتها فالقول قولها للظّاهر، فإن نكل حلفت أنّه لم يطأها، فإن حلفت على ذلك أو أقرّ هو بذلك فقد ثبت حقّ الفسخ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا أجّل العنّين سنةً وادّعى الوطء في المدّة فالقول قولها إن كانت بكراً وشهدت ثقة ببقاء بكارتها عملاً بالظّاهر، وإن كانت ثيّباً وادّعى وطأها بعد ثبوت عنّته وأنكرته فالقول قولها لأنّ الأصل عدم الوطء‏.‏

التّفريق بالعنّة

13 - قال كثير من الحنفيّة‏:‏ إن لم يجامع الزّوج في المدّة، واختارت الزّوجة عدم استمرار الزّواج، أمر القاضي الزّوج أن يطلّقها، فإن أبى الزّوج، فرّق القاضي بينهما بأن يقول‏:‏ فرّقت بينكما، ولا يكفي في الفرقة اختيار الزّوجة عدم الاستمرار ؛ لأنّ النّكاح عقد لازم، وملك الزّوج فيه معصوم، فلا يزول إلاّ بإزالته دفعاً للضّرر عنه، لكن لمّا وجب عليه الإمساك بمعروف أو التّسريح بإحسان، وقد عجز عن الأوّل بالعنّة، ولا يمكن القاضي النّيابة فيه، فوجب عليه التّسريح بإحسان، فإذا امتنع منه ناب القاضي منابه، لأنّه نصّب لدفع الظّلم، فلا تبين بدون تفريق القاضي، وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة ؛ ولأنّ الفسخ مختلف فيه فلا يجوز إلاّ بحكم حاكم‏.‏

وعن أبي يوسف ومحمّد رواية أخرى أنّها إذا اختارت نفسها تقع الفرقة بينهما اعتباراً بالمخيّرة بتخيير الزّوج أو بتخيير الشّرع‏.‏

وعند المالكيّة إذا ثبت اعتراض الزّوج بعد الأجل فللزّوجة طلب الطّلاق، فيأمره الحاكم بالطّلاق، فإن طلّقها فواضح، وإن أبى أن يطلّقها فقيل‏:‏ يطلّق عليه الحاكم، وقيل‏:‏ يأمر الحاكم الزّوجة بإيقاع الطّلاق، فتقول للزّوج‏:‏ طلّقت نفسي منك، فيكون بائناً، ثمّ يحكم به الحاكم ليرفع خلاف من لا يرى أمر القاضي لها حكماً، وللزّوجة الرّضا بالبقاء مع زوجها على حالته هذه، ولها أن ترجع عن ذلك الرّضا بعد ذلك وتطلب الطّلاق‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا تمّت السّنة المضروبة للعنّين ورفع الأمر إلى القاضي فإن قال الزّوج‏:‏ وطئت حلف، فإن نكل حلفت، فإن حلفت أو أقرّ استقلّت بالفسخ كما يستقلّ بالفسخ من وجد بالبيع عيباً، وإنّما تفسخ بعد قول القاضي لها‏:‏ ثبتت العنّة أو ثبت حقّ الفسخ فاختاري، وهو الأصحّ، وقيل‏:‏ لا تستقلّ بالفسخ، ويحتاج إلى إذن القاضي لها بالفسخ أو إلى فسخه؛ لأنّه محلّ نظر واجتهاد، فيتعاطاه بنفسه أو بإذن فيه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا انقضى الأجل المحدّد للعنّين ولم يطأ فيه فللزّوجة الخيار، فإن اختارت الفسخ لم يجز إلاّ بحكم الحاكم لأنّه مختلف فيه، فإمّا أن يفسخ وإمّا أن يردّه إليها فتفسخ هي، ولا يفسخ حتّى تختار الفسخ وتطلبه ؛ لأنّه لحقها، فلا تجبر على استيفائه‏.‏

الفرقة بالعنّة فسخ أم طلاق

14 - الفرقة بالعنّة طلاق عند الحنفيّة والمالكيّة‏:‏

قال الحنفيّة‏:‏ إنّ الحقّ الّذي على الزّوج أحد شيئين‏:‏ إمّا إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فإذا عجز عن أحدهما - وهو الإمساك بمعروف - تعيّن الآخر وهو التّسريح بإحسان، فإذا امتنع الزّوج من هذا التّسريح ناب القاضي منابه فيه، والتّسريح طلاق، ولأنّ عمر رضي الله عنه جعلها تطليقةً بائنةً، والطّلاق بائن لأنّ المقصود لا يحصل بالطّلاق الرّجعيّ، إذ المقصود إزالة ظلم الزّوجة، ولو كان الطّلاق رجعيّاً لراجعها قهراً عنها واستمرّ الظّلم ؛ ولأنّ الطّلاق لا يكون رجعيّاً إلاّ إذا كان في عدّة واجبة بعد حقيقة الدّخول وذلك غير موجود هنا، ولأنّ النّكاح الصّحيح التّامّ النّافذ اللّازم لا يقبل الفسخ عند الحنفيّة‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ إنّ هذه الفرقة تطليق ؛ لأنّها لو شاءت أن تقيم معه أقامت وكان النّكاح صحيحاً، فلمّا اختارت فراقه كانت تطليقةً‏.‏ وهما كانا يتوارثان قبل أن تختار فراقه، فيأمر الحاكم الزّوج أن يطلّق، فإن أبى الزّوج طلّق الحاكم طلقةً بائنةً، أو يأمر الزّوجة بإيقاع الطّلاق فتوقعه ثمّ يحكم بذلك، وفائدة حكم الحاكم بما أوقعته المرأة صيرورته بائناً، وقال العدويّ‏:‏ فيه نظر بل هو بائن لكونه قبل البناء، بل الحكم لرفع خلاف من لا يرى أمر القاضي لها في هذه الصّورة‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة إلى أنّ الفرقة بالعنّة تعتبر فسخاً لا طلاقاً‏.‏

الإنجاب قبل سنتين

15 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا فرّق القاضي بين الزّوج العنّين وزوجته وهو يقول‏:‏ إنّه جامعها، ثمّ أنجبت الزّوجة قبل أن يكتمل مرور سنتين على التّفرقة، فإنّ النّسب يثبت، ويعني هذا أنّه جامعها وأنّ التّفرقة الّتي حكم بها باطلة‏.‏

الشّهادة على إقرار الزّوجة قبل التّفرقة‏:‏

16 - قال الحنفيّة‏:‏ لو شهد شاهدان بعد التّفريق على إقرار الزّوجة قبل التّفريق بأنّه جامعها، بطل تفريق القاضي بينهما، لكن إذا كان إقرارها بعد التّفريق أنّه كان جامعها قبل التّفريق فإنّ إقرارها لا يقبل ؛ لكونها متّهمةً في ذلك‏.‏

اختيار الزّوجة الاستمرار في النّكاح

17 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا اختارت المرأة زوجها بحاله صراحةً لم يكن لها بعد ذلك خيار، ومثله الاختيار بالدّلالة، وهذا فيما إذا قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي أو قام القاضي قبل أن تختار في كلّ هذه الأحوال ؛ لأنّ اختيارها مؤقّت بالمجلس، كتخيير الزّوج زوجته‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو رضيت الزّوجة بعد مضيّ السّنة الّتي ضربت لها بالإقامة مع الزّوج مدّةً لتتروّى وتنظر في أمرها أو رضيت رضاً مطلقاً من غير تحديد بمدّة ثمّ رجعت عن ذلك الرّضا فلها ذلك ولا تحتاج إلى ضرب أجل ثان، ولها الفراق بعد الرّضا بإقامتها مع الزّوج، وقال ابن القاسم‏:‏ لو رضيت بالمقام معه أبداً ثمّ أرادت الفراق فليس لها ذلك‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا اختارت الزّوجة المقام مع الزّوج بعد انتهاء سنة التّأجيل وتخيير الحاكم لها تستمرّ زوجةً له، ويسقط حقّها في الخيار ؛ لأنّها تركت حقّها في فرقته، أمّا إذا رضيت في أثناء المدّة أو قبل ضربها، فإنّ حقّها لا يبطل ولها الفسخ بعد المدّة ؛ لأنّها رضيت بإسقاط حقّها قبل ثبوته، فلم يسقط، كالعفو عن الشّفعة قبل البيع‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن قالت في وقت من الأوقات‏:‏ رضيت به عنّيناً لم يكن لها المطالبة بعد ذلك بالفسخ لإسقاطها حقّها منه‏.‏

وقت الاختيار بعد المدّة

18 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الخيار على التّراخي، أي إنّ الرّفع إلى القاضي لا يجب وجوباً فوريّاً، فلا يسقط حقّ المرأة بترك المرافعة زماناً، فسكوتها بعد العقد ليس دليلاً على رضاها بعنّته ؛ لأنّها قبل الرّفع إلى الحاكم لا تملك الفسخ ولا تملك الامتناع من استمتاع الزّوج بها، وحقّها على التّراخي، حتّى إن علمت أنّه عنّين بعد الدّخول، فسكتت عن المطالبة ثمّ طالبت بعده فلها ذلك، كما لا يسقط حقّها بتأخير الخصومة بعد مضيّ الأجل، فإنّ ذلك اختبار منها له لا رضاً منها به، والإنسان لا يتمكّن من الخصومة في كلّ وقت خصوصاً في هذه الحالة، حتّى وإن طاوعته في المضاجعة في تلك الأيّام، والخيار لا يثبت للزّوجة إلاّ بعد رفع الأمر للحاكم وثبوت عجز الزّوج، فلا يضرّ سكوتها قبله، وإن رضيت باستمرار الزّواج مدّةً بعد مضيّ السّنة الّتي ضربت لها، ثمّ رجعت عن ذلك الرّضا فلها ذلك، ولا تحتاج لضرب أجل بعد، ويوجد قول عند الحنابلة بالفور‏.‏

ويقول الشّافعيّة‏:‏ إنّ الخيار في عيب التّعنّن كغيره من عيوب النّكاح على الفور، كخيار العيب في البيع، هذا هو المذهب وبه قطع جمهور الشّافعيّة، قال القفّال‏:‏ إنّ الخيار لو لم يكن على الفور وكان ممتدّاً لم يدر الزّوجان هل تستمرّ الزّوجيّة ‏؟‏ فلا تدوم صحبة ولا تقوم معاشرة، وتصير المرأة في معنى غير المنكوحة، ومعنى كون الخيار على الفور المبادرة بالرّفع إلى الحاكم بالفسخ بعد ثبوت العنّة بعد المدّة‏.‏

أثر العلم بالعنّة قبل العقد

19 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّها إذا تزوّجته وهي تعلم أنّه عنّين لا يصل إلى النّساء لا يكون لها حقّ الخصومة ولا حقّ الخيار، كما لو علم المشتري بالعيب وقت البيع، فهي صارت راضيةً به حين أقدمت على العقد مع علمها بحاله‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن علمت الزّوجة قبل أن تتزوّج العنّين، ثمّ رضيت أن تتزوّجه، فإنّه لا يسقط حقّها في الخيار لأنّها رضيت بإسقاط حقّها قبل ثبوته فلم يسقط‏.‏

أثر الجنون على الحكم بالعنّة

20 - عند الحنفيّة وقول عند الحنابلة، أنّ الجنون لا يمنع من الحكم بالعنّة، فيحضر خصم عن الزّوج، ويكون القول حينئذ قول الزّوجة في عدم الوطء في هذه الحالة ولو كانت ثيّباً‏.‏ وتضرب مدّة للزّوج، وهذا لأنّ مشروعيّة ملك الفسخ لدفع الضّرر الحاصل بالعجز عن الوطء، وذلك يستوي فيه المجنون والعاقل، وكان القول قول الزّوجة لأنّ قول المجنون لا حكم له‏.‏

أمّا عند الشّافعيّة وقول عند الحنابلة، فالزّوج المجنون لا تضرب له مدّة ؛ لأنّ دعوى العنّة على المجنون لا تسمع أصلاً،إذ الحكم بالعنّة وضرب المدّة، يعتمد على إقرار الزّوج بالعنّة، أو يمين الزّوجة بعد رفض الزّوج الإقرار واليمين، وهو مجنون لا يعتبر إقراره ولا رفضه اليمين، فلا يمكن الحكم بالعنّة، وحدوث الجنون للزّوج أثناء المدّة كحدوثه قبلها بالنّسبة للخيار، فيه الخلاف السّابق‏.‏

أثر الصّبا على الحكم بالعنّة

21 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ عدم البلوغ مانع من الحكم بالعنّة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إلاّ في صورة الغلام الّذي هو ابن أربع عشرة سنةً، إذا لم يصل إلى امرأته، وله امرأة أخرى يجامعها، كان للمرأة أن تخاصمه ويؤجّل سنةً‏.‏

أثر الرّتق على الحكم بالعنّة‏:‏

22 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو كانت المرأة رتقاء - الرّتق هو انسداد فرج المرأة باللّحم - والزّوج عنّيناً ؛ لم يكن لها أن تخاصمه ؛ لأنّه لا حقّ لها في المطالبة بالجماع مع قيام المانع فيها ؛ إذ لا حقّ لها في الوطء‏.‏

أمّا الشّافعيّة فالمعتمد عندهم أنّه لا فرق في ثبوت الخيار بين أن يجد أحد الزّوجين بالآخر مثل ما به من العيب أم لا، فالرّتقاء لها حقّ الخيار، وقيل‏:‏ لا خيار عند تماثل العيبين‏.‏ والمالكيّة يجعلون للرّتقاء أيضاً حقّ الخيار‏.‏

ويرى الحنابلة أنّ الخيار يثبت لكلّ منهما إذا وجد بالآخر عيباً مثل عيبه أو غيره، إلاّ أن يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لهما خيار لامتناع الاستمتاع بعيب نفسه‏.‏

سبق الوطء على العنّة

23 - إذا جامع الزّوج امرأته ولو مرّةً واحدةً، ثمّ عنّ عنها فليس لها حقّ التّأجيل أو الخيار في هذا الزّواج، حتّى ولو كان طلّقها ثمّ راجعها، قال ابن قدامة‏:‏ وعلى هذا أكثر أهل العلم ومنهم عطاء وطاوس والحسن ويحيى الأنصاريّ والزّهريّ وعمرو بن دينار وقتادة ومالك والأوزاعيّ والشّافعيّ والحنفيّة والحنابلة وأبو عبيد‏.‏

والسّبب في عدم الحكم بالعنّة في هذه الحالة أنّ الزّوجة حصلت بالوطء على حقّها من مقصود النّكاح وهو المهر، أي تقريره، والحصانة وقد عرفت قدرته على الوطء، ولم يبق إلاّ التّلذّذ وهو شهوة لا يجبر الزّوج عليها مع احتمال زوال العنّة، ووجود الدّاعية عند الزّوج للنّكاح‏.‏

وقال أبو ثور‏:‏ لو وطئ الزّوج امرأته، ثمّ عجز عن وطئها، ضرب له أجل‏.‏

الجماع الّذي يمنع التّأجيل

24 - أقلّ ما يمنع التّأجيل هو تغييب الحشفة في الفرج، فهذا النّوع من الوطء تتعلّق به أحكام الوطء، من الإحصان ومن الإحلال للزّوج الأوّل، وتعتبر حشفته إن لم تكن مقطوعةً، وإن جاوزت العادة في الكبر أو الصّغر، وتقدّر بأمثاله إذا كانت مقطوعةً، ويعتبر دخولها ولو مرّةً وبإعانة بنحو إصبع في دخولها، كما يعتبر ولو كانت الزّوجة حائضاً أو محرمةً أو صائمةً، أو كان الزّوج نفسه محرماً أو صائماً، فالحرمة شيء ومنع التّأجيل شيء آخر‏.‏ أمّا جماع الزّوج زوجته في دبرها، فهو لا يمنع الحكم بالتّأجيل ؛ لأنّه غير الجماع المعروف، ولا تتعلّق به أحكام الوطء من إحصان أو إحلال للزّوج الأوّل، واختار ابن عقيل أنّ الوطء في الدّبر تنتفي به العنّة لأنّه أصعب‏.‏ فمن قدر عليه فهو على غيره أقدر‏.‏

كما أنّ عند الحنابلة قولاً باشتراط إدخال جميع الذّكر‏.‏

مهر زوجة العنّين‏:‏

25 - زوجة العنّين لها جميع المهر عند الحنفيّة، وعند الحنابلة لها المهر المسمّى على الصّحيح من المذهب، ونقل عن أحمد أنّ لها مهر المثل، والخلوة من العنّين كالخلوة من أيّ زوج توجب عندهم المهر‏.‏

أمّا المالكيّة فالمشهور عندهم أنّ لها أيضاً الصّداق كاملاً بعد انتهاء السّنة ؛ لأنّها مكّنت من نفسها، وطال مقامه معها، وتلذّذ بها وأخلق شورتها‏.‏

وقال أبو عمر من المالكيّة‏:‏ إن جعل مالك الحجّة في التّكميل التّلذّذ وإخلاق الشّورة ظاهره أنّه متى انخرم أحدهما لا تكميل، ومقابل المشهور عند المالكيّة هو ما روي عن مالك‏:‏ أنّ لها نصف الصّداق، أمّا إذا طلّق قبل انتهاء السّنة فللزّوجة نصف المهر، وتعوّض المتلذّذ بها زيادةً على ذلك بالاجتهاد، ويتصوّر وقوع الطّلاق قبل تمام السّنة فيما إذا رضي بالفراق قبل تمام السّنة، وفيما إذا قطع ذكره أثناءها، وقد احتجّ ابن الحاجب لاستحقاق امرأة المعترض الصّداق بعد السّنة بالقياس على المجبوب والعنّين إذا طلّقا باختيارهما، والجامع حصول الانتفاع لكلّ منهم بحسب الإمكان، وقد يفرّق بأنّ المجبوب إنّما دخل على التّلذّذ وقد حصل، بخلاف المعترض فإنّه إنّما دخل على الوطء التّامّ ولم يحصل، وبأنّ مسألة المجبوب ومن معه خرجت بالإجماع، أي فهي مسألة سماعيّة، فما عداها باق على أصله فلا يخرج عليها شيء، والمراد بالعنّين المقيس عليه هنا هو صغير الذّكر‏.‏

وقال الشّافعيّ‏:‏ ليس للمرأة إن استمتع بها زوجها إذا قالت‏:‏ لم يصبني ليس لها إلاّ نصف المهر لأنّها مفارقة قبل أن تصاب‏.‏

عدّة زوجة العنّين‏:‏

26 - تجب على زوجة العنّين العدّة عند الحنفيّة والحنابلة، كما تجب عند المالكيّة احتياطاً، ولا يملك الزّوج الرّجعة في العدّة أو بعدها‏.‏

أمّا عند الشّافعيّة فليس عليها عدّة ما دام لم يصبها‏.‏

عُنوس

التّعريف

1 - العنوس في اللّغة‏:‏ من عنست المرأة تعنِس عنوساً إذا طال مكثها في بيت أهلها بعد إدراكها ولم تتزوّج حتّى خرجت من عداد الأبكار‏.‏ فإن تزوّجت مرّةً فلا يقال عنست‏.‏

والاسم‏:‏ العناس،والتّعنيس‏:‏ مصدر عنست الجارية إذا صارت عانساً ولم تتزوّج، والجمع‏:‏ عنّس وعوانس‏.‏

ويقال‏:‏ عنس الرّجل إذا أسنّ ولم يتزوّج فهو عانس‏.‏

وأكثر ما يستعمل للنّساء فيقال‏:‏ عنّسها أهلها أي أمسكوها عن التّزويج‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العضل‏:‏

2 - العضل‏:‏ منع الرّجل حريمته من التّزويج‏.‏

والعضل قد يكون سبباً للعنوس‏.‏

ما يتعلّق بالعنوس من أحكام

3 - اختلف الفقهاء في نكاح العانس هل تعامل كالأبكار في الإجبار، وفي الاكتفاء بسكوتها أم كالثّيّب ‏؟‏

فذهب الجمهور إلى أنّ العانس تعامل كالبكر في دوام الجبر عليها وإن زالت بكارتها بطول التّعنيس لبقائها على حيائها ؛ لأنّها لم تمارس الرّجال بالوطء في محلّ البكارة فهي على حيائها‏.‏

وفي قول عند المالكيّة - وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة - أنّها تعامل معاملة الثّيّب إذا زالت بكارتها بالتّعنيس لزوال العذرة، فلا يجوز للوليّ المجبر أن يزوّجها إلاّ بإذنها الصّريح‏.‏

4 - وفي السّنّ الّتي تعتبر المرأة فيها عانساً عند المالكيّة أقوال هي‏:‏ ثلاثون سنةً، أو ثلاث وثلاثون، أو خمس وثلاثون‏.‏ أو أربعون‏.‏ أو خمس وأربعون‏.‏ أو منها إلى السّتّين‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ سنّ العنوسة يعود إلى العرف، فالعانس عند هؤلاء هي البنت المقيمة عند أهلها بعد بلوغها سنّ الزّواج مدّةً طويلةً عرفت فيها مصالح نفسها وبروز وجهها ولم تتزوّج‏.‏

نفقة العانس‏:‏

5 - ذهب الفقهاء إلى أنّ البنت الفقيرة تجب نفقتها على أبيها حتّى تنكح زوجاً تستحقّ عليه النّفقة وإن وصلت حدّ التّعنيس أو جاوزتها‏.‏

عَنْوة

التّعريف

1 - العنوة - بفتح العين - في اللّغة‏:‏ القهر والغلبة، يقال‏:‏ أخذت الشّيء عنوةً‏:‏ أي قهراً وغلبةً، وفتحت هذه البلدة عنوةً وتلك صلحاً أي‏:‏ قهراً وغلبةً، وقال الأزهريّ‏:‏ قولهم‏:‏ أخذته عنوةً يكون غلبةً، ويكون عن تسليم وطاعة ممّن يؤخذ منه شيء‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ يستعمل الفقهاء كلمة ‏"‏ عنوة ‏"‏ عند الكلام على أحكام الأراضي الّتي تئول إلى المسلمين من أهل الحرب، فيقسمونها إلى أرض فتحت عنوةً وأرض فتحت صلحاً ؛ لاختلاف بعض أحكامهما‏.‏

الحكم الإجماليّ‏:‏

2 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الأراضي الّتي يستولي عليها المسلمون بالقتال من جملة الغنائم، واختلفوا بم تنتقل الملكيّة إلى المسلمين ‏؟‏

فقال الحنفيّة‏:‏ لا يملكها المسلمون إلاّ بالضّمّ إلى دار الإسلام، أو حيازتها فعلاً، وجعلها جزءاً من دار الإسلام‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ يملكها المسلمون بمجرّد الحيازة ؛ لأنّها مال زال عنه ملك أهل الحرب بالاستيلاء عليه فصار كالمباح، تسبق إليه اليد فيتمّ تملّكه بإحرازه والاستيلاء عليه، من غير احتياج إلى حكم حاكم على المعتمد، ولا تقسم على الجيش كبقيّة الغنائم‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يتمّ انتقال الملكيّة بالاستيلاء، بل بالقسمة مع الرّضا بها‏.‏

واختلفوا أيضاً فيمن يكون الملك له بعد انتقاله إلى المسلمين‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ الإمام بالخيار، إن شاء قسمها بين المسلمين كما فعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بخيبر وإن شاء أقرّ أهلها عليها، ووضع على رءوسهم الجزية وعلى أرضيهم الخراج، فتكون أرض خراج وأهلها أهل ذمّة‏.‏ وقال ابن عابدين‏:‏ قسّمها بين الجيش إن شاء أو أقرّ أهلها عليها بجزية على رءوسهم وخراج على أرضيهم، والأوّل أولى عند حاجة الغانمين، وتركها بيد أهلها عند عدم الحاجة لتكون عدّةً للمسلمين‏.‏

وقال المالكيّة في المشهور عندهم‏:‏ تصبح هذه الأرض وقفاً على المسلمين بمجرّد الحيازة بلا حاجة إلى وقف الإمام، ولا تكون ملكاً لأحد، ويصرف خراجها في مصالح المسلمين‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ الخمس من الأراضي لمن ذكرتهم آية الغنائم، والأربعة الأخماس الباقية للغانمين‏.‏ فإن طابت بتركها نفوس الغانمين بعوض أو غيره وقفها وليّ الأمر على مصالح المسلمين‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ غنيمة‏)‏‏.‏

عَهْد

التّعريف

1 - العهد في اللّغة‏:‏ الوصيّة، يقال‏:‏ عهد إليه إذا أوصاه، والعهد‏:‏ الأمان والموثق والذّمّة واليمين، وكلّ ما عوهد اللّه عليه، وكلّ ما بين العباد من المواثيق فهو عهد، والعهد‏:‏ العلم، يقال‏:‏ هو قريب العهد بكذا أي قريب العلم به، وعهدي بك مساعداً للضّعفاء‏:‏ أنّي أعلم ذلك‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العقد‏:‏

2 - العقد هو كما قال الجرجانيّ‏:‏ ربط أجزاء التّصرّف بالإيجاب والقبول شرعاً، والصّلة‏:‏ أنّ العقد إلزام باستيثاق بخلاف العهد فإنّه قد يكون باستيثاق وقد لا يكون، ولذا يقال‏:‏ عاهد العبد ربّه، ولا يقال‏:‏ عاقد العبد ربّه، إذ لا يجوز أن يقال‏:‏ استوثق من ربّه‏.‏

ب - الوعد‏:‏

3 - الوعد كما قال ابن عرفة‏:‏ إخبار عن إنشاء المخبر معروفاً في المستقبل‏.‏

قال أبو هلال العسكريّ‏:‏ والفرق بين الوعد والعهد أنّ العهد ما كان من الوعد مقروناً بشرط نحو إن فعلت كذا فعلت كذا‏.‏

ج - البيعة‏:‏

4 - البيعة صفة على إيجاب المبايعة والطّاعة، أي التّولية وعقدها، والبيعة صفة أيضاً على إيجاب البيع، والبيعة بالمعنى الأوّل أخصّ من العهد‏.‏

الحكم التّكليفيّ

5 - أوجب الإسلام الوفاء بالعهد، والتزمه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، في جميع عهوده، تحقيقاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ‏}‏ ونفى الدّين عمّن لا عهد له فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا دين لمن لا عهد له» ومن صور التزامه العهد‏:‏ وفاؤه بالوثيقة الّتي عقدها لليهود عندما هاجر إلى المدينة، وصلح الحديبية‏.‏ وغيرهما‏.‏

ومن صور الوفاء بالعهد‏:‏ ما يعهد به الحاكم إلى من بعده، كما عهد أبو بكر إلى عمر - رضي الله عنهما - وعهد عمر إلى أهل الشّورى رضي الله عنهم ونقض العهد محرّم قطعاً‏.‏ ولا يصحّ من مؤمن أبداً للآية السّابقة ولحديث‏:‏ «أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها‏:‏ إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»‏.‏

تحريم ظلم المعاهد

6 - أمر اللّه تعالى بالوفاء بالعهد كما أمر بإتمام مدّة العهد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ‏}‏ ووصف الّذين ينقصون عهدهم بالخسران في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏ ‏.‏

ونهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ظلم المعاهد بقوله‏:‏ «من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة»‏.‏

كما نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن نقض العهد حتّى ينقضي أمده، أو ينبذ العهد إلى المعاهدين جهراً - لا سرّاً - حتّى لا يغدر بهم‏.‏ فقال‏:‏ «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدةً ولا يحلّها حتّى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء»‏.‏

ونقض العهد يعدّ من الغدر، وقد شهّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالغادر في قوله‏:‏ «لكلّ غادر لواء يوم القيامة يعرف به»‏.‏

وللمعاهد أحكام أخرى، منها أخذ الجزية، ومقدارها، ومقدار ديته، ينظر في مصطلح‏:‏

‏(‏جزية ف /21، 22، ومعاهد‏)‏‏.‏

اليمين بعهد اللّه وآثاره

7 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الحلف بعهد اللّه يمين، ويترتّب على الحلف به جميع الآثار الّتي تترتّب على كلّ يمين، من وجوب البرّ بها، أو الكفّارة الواجبة بسبب الحنث‏.‏

واشترط الشّافعيّة في اعتبارها يميناً أن ينوي الحالف بها اليمين، لا استحقاق اللّه للعهد الّذي أخذه على بني آدم‏.‏